فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (68):

قوله تعالى: {لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما علم من الآية ما أشرت إليه، فكان كأنهم قالوا- رضى الله عنهم- م: تقتضي عزته وحكمته سبحانه من تطهيرنا عما تدنسنا به؟ استأنف تعالى الجواب عن ذلك ممتنًا غاية لامتنان ومحذرًا من التعرض لمواقع الخسران فقال: {لولا كتاب} أي قضاء حتم ثابت مبرم {من الله} أي الذي له الإحاطة الكاملة بكل شيء قدرة وعلمًا {سبق} أي في أم الكتاب من الحكم بإسعادكم، ومن أنه لا يعذب أحدًا إلا بعد التقدم إليه بالنهي، ومن أنه سيحل لكم الفداء والغنائم التي كانت حرامًا على من قبلكم تشريفًا لكم- كما قاله ابن عباس- رضى الله عنهما- {لمسكم فيما أخذتم} أي من الأسرى المراد بهم الفداء {عذاب عظيم} ولكن سبق حكمي بأن المغنم- ولو بالفداء- لكم حل وإن تعجلتم فيه أمري. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

ثم قال تعالى: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
واعلم أنه كثر أقاويل الناس في تفسير هذا الكتاب السابق.
ونحن نذكرها ونذكر ما فيها من المباحث:
فالقول الأول: وهو قول سعيد بن جبير وقتادة لولا كتاب من الله سبق يا محمد بحل الغنائم لك ولأمتك، لمسكم العذاب.
وهو مشكل لأن تحليل الغنائم والفداء هل كان حاصلًا في ذلك الوقت، أو ما كان حاصلًا في ذلك الوقت؟ فإن كان التحليل والإذن حاصلًا في ذلك الوقت امتنع إنزال العذاب عليهم، لأن ما كان مأذونًا فيه من قبل لم يحصل العقاب على فعله، وإن قلنا: إن الإذن ما كان حاصلًا في ذلك الوقت كان ذلك الفعل حرامًا في ذلك الوقت أقصى ما في الباب أنه كان في علم الله أنه سيحكم بحله بعد ذلك إلا أن هذا لا يقدح في كونه حرامًا في ذلك الوقت.
فإن قالوا: إن كونه بحيث سيصير حلالًا بعد ذلك يوجب تخفيف العقاب.
قلنا: فإذا كان الأمر كذلك امتنع إنزال العقاب بسببه، وذلك يمنع من التخويف بسبب ذلك العقاب.
القول الثاني: قال محمد بن إسحاق: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} إني لا أعذب إلا بعد النهي لعذبتكم فيما صنعتم، وأنه تعالى ما نهاهم عن أخذ الفداء، وهذا أيضًا ضعيف لأنا نقول حاصل هذا القول أنه ما وجد دليل شرعي يوجب حرمة ذلك الفداء، فهل حصل دليل عقلي يقتضي حرمته أم لا؟ فإن قلنا حصل، فيكون الله تعالى قد بين تحريمه بواسطة ذلك الدليل العقلي، ولا يمكن أن يقال إنه تعالى لم يبين تلك الحرمة، وإن قلنا: إنه ليس في العقل ولا في الشرع ما يقتضي المنع، فحينئذ امتنع أن يكون المنع حاصلًا، وإلا لكان ذلك تكليف ما لا يطاق، وإذا لم يكن المنع حاصلًا كان الإذن حاصلًا، وإذا كان الإذن حاصلًا، فكيف يمكن ترتيب العقاب على فعله؟
القول الثالث: قال قوم قد سبق حكم الله بأنه لا يعذب أحدًا ممن شهد بدرًا مع النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا أيضًا مشكل لأنه يقتضي أن يقال: إنهم ما منعوا عن الكفر والمعاصي والزنا والخمر وما هددوا بترتيب العقاب على هذه القبائح، وذلك يوجب سقوط التكاليف عنهم ولا يقوله عاقل.
وأيضًا فلو صار كذلك، فكيف آخذهم الله تعالى في ذلك الموضع بعينه في تلك الواقعة بعينها، وكيف وجه عليهم هذا العقاب القوي؟
والقول الرابع: لولا كتاب من الله سبق في أن من أتى ذنبًا بجهالة، فإنه لا يؤاخذه به لمسهم العذاب، وهذا من جنس ما سبق.
واعلم أن الناس قد أكثروا فيه، والمعتمد في هذا الباب أن نقول: أما على قولنا: فنقول: يجوز أن يعفو الله عن الكبائر.
فقوله: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} معناه لولا أنه تعالى حكم في الأزل بالعفو عن هذه الواقعة لمسهم عذاب عظيم، وهذا هو المراد من قوله: {كَتَبَ رَبُّكُمْ على نَفْسِهِ الرحمة} [الأنعام: 54] ومن قوله: «سبقت رحمتى غضبي» وأما على قول المعتزلة فهم لا يجوزون العفو عن الكبائر، فكان معناه {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ} في أن من احترز عن الكبائر صارت صغائره مغفورة وإلا لمسهم عذاب عظيم، وهذا الحكم وإن كان ثابتًا في حق جميع المسلمين، إلا أن طاعات أهل بدر كانت عظيمة وهو قبولهم الإسلام، وانقيادهم لمحمد صلى الله عليه وسلم، وإقدامهم على مقاتلة الكفار من غير سلاح وأهبة فلا يبعد أن يقال: إن الثواب الذي استحقوه على هذه الطاعات كان أزيد من العقاب الذي استحقوه على هذا الذنب، فلا جرم صار هذا الذنب مغفورًا، ولو قدرنا صدور هذا الذنب من سائر المسلمين لما صار مغفورًا، فبسبب هذا القدر من التفاوت حصل لأهل بدر هذا الاختصاص. اهـ.

.قال السمرقندي:

قوله تعالى: {لَّوْلاَ كتاب مّنَ الله سَبَقَ}
يقول: لولا أن الله أحلّ الغنائم لأمة محمد عليه السلام، {لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ}؛ يعني لأصابكم فيما أخذتم من الفداء {عَذَابٌ عظِيمٌ}، ثم طيبها لهم وأحلها لهم، فقال عز وجل: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حلالا طَيّبًا}. اهـ.

.قال الثعلبي:

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} الآية، قال ابن عباس كانت الغنائم قبل أن يُبعث النبي صلى الله عليه وسلم حرام على الأنبياء والأُمم كلهم كانوا إذا أصابوا مغنمًا جعلوه للنيران وحرّم عليه أن يأخذوا منه قليلًا أو كثيرًا، وكان الله عز وجل كتب في أم الكتاب أن الغنائم والأُسارى حلال لمحمد وأُمته، فلمّا كان يوم بدر أسرع المؤمنون في الغنائم، فأنزل الله تعالى: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} لولا قضاء من الله سبق لكم يا أهل بدر في اللوح المحفوظ بأن الله تعالى أحل لكم الغنيمة.
وقال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وابن زيد: لولا كتاب من الله سبق أنه لا يعذِّب أحدًا شهد بدر مع النبي صلى الله عليه وسلم وقال: لولا كتاب سبق أن يغفر الصغائر لمن اجتنب الكبائر، وقال ابن جريج: لولا كتاب من الله سبق أنه لايضل قومًا بعد إذ هداهم حتى يبيّن لهم ما يتقون، وأنه لا يأخذ قومًا فعلوا شيئًا بجهالة {لَمَسَّكُمْ} لنالكم أصابكم {فِيمَا أَخَذْتُمْ} من الغنيمة والفداء قبل أن يؤمروا به {عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
روى محمد بن سيرين عن عبيدة السلماني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه في أسارى بدر: «إن شئتم قتلتموهم وإن شئتم فاديتموهم، واستشهد منكم بعدّتهم»، وكانت الاسارى سبعون. فقالوا: بل نأخذ الفداء ونتمتع به ونقوى على عدونا ويستشهد منا بعدتهم، قال عبيدة طلبوا الخيرتين كليهما فقتل منهم يوم أحد سبعون، قال ابن إسحاق وابن زيد: لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر إلاّ أحب الغنائم إلا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) جعل لا يلقى أسيرًا إلا ضرب عنقه، وقال لرسول الله: ما لنا والغنائم نحن قوم نجاهد في دين الله حتى يُعبد الله، وأشار على رسول الله بقتل الأسرى، وسعد بن معاذ قال: يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحب إليّ من استبقاء الرجال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه غير عمر بن الخطاب وسعد بن معاذ فقال الله: {فَكُلُواْ مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا واتقوا الله إِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. اهـ.

.قال الماوردي:

{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} يعني ما أخذتموه من المال في فداء أسرى بدر.
وفي قوله: {لَوْلا كِتَابٌ مِّنَ اللَّهِ سَبَقَ} أربعة أقاويل:
أحدها: لولا كتاب من الله سبق لأهل بدر أن يعذبهم لمسهم فيما أخذوه من فداء أسرى بدر عذاب عظيم، قاله مجاهد وسعيد بن جبير.
والثاني: لولا كتاب من الله سبق في أنه سيحل لكم الغنائم لمسكم في تعجلها من أهل بدر عذاب عظيم، قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن وعبيدة.
والثالث: لولا كتاب من الله سبق أن لا يؤاخذ أحدًا بعمل أتاه على جهالة لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم، قاله ابن اسحاق.
والرابع: لولا كتاب من الله سبق وهو القرآن الذي آمنتم به المقتضي غفران الصغائر لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم شاور أبا بكر وعمر في أسرى بدر فقال أبو بكر: هم قومك وعشيرتك فاستبقهم لعل الله أن يهديهم، وقال عمر: هم أعداء الله وأعداء رسوله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فمال رسول الله صلى الله عليه وسلم، بعد انصرافه عنهم إلى قول أبي بكر وأخذ فدء الأسرى ليتقوى به المسلمون، وقال: «أَنتُم عَالَةٌ بعيني المُهَاجِرِينَ» فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لَو عُذِّبْنَا فِي هَذَا الأمْرِ يَا عُمَرُ لَمَا نَجَا غَيْرُكَ» ثم إن الله تعالى بيَّن تحليل الغنائم والفداء بقوله: {فَكُلُوْا مِمَّا غَنِمْتُمْ حَلاَلًا طَيِّبًا}. اهـ.

.قال ابن عطية:

قوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق} الآية، قالت فرقة: الكتاب السابق هو القرآن، والمعنى لولا الكتاب الذي سبق فآمنتم به وصدقتم لمسكم العذاب لأخذكم هذه المفاداة، وقال سعيد بن جبير ومجاهد والحسن أيضًا وابن زيد: الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر ما تقدم من ذنوبهم أو تأخر، وقال الحسن وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم: الكتاب هو ما كان الله قضاه في الأزل من إحلال الغنائم والفداء لمحمد صلى الله عليه وسلم وأمته وكانت في سائر الأمم محرمة، وقالت فرقة: الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب معينًا، وقالت فرقة: الكتاب هو أن الله عز وجل قضى أن لا يعاقب أحدًا بذنب أتاه بجهالة، وهذا قول ضعيف تعارضه مواضع من الشريعة، وذكر الطبري عن محمد بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب أن الكتاب السابق هو أن لا يعذب أحدًا بذنب إلا بعد النهي عنه ولم يكونوا نهو بعد، وقالت فرقة: الكتاب السابق هو ما قضاه الله من محو الصغائر باجتناب الكبائر، وذهب الطبري إلى دخول هذه المعاني كلها تحت اللفظ وأنه يعمها، ونكب عن تخصيص معنى دون معنى، واللام في {لمسكم} جواب {لولا}، و{كتاب} رفع بالابتداء والخبر محذوف، وهكذا حال الاسم الذي بعد لولا، وتقديره عند سيبويه لولا كتاب سابق من الله تدارككم، وما من قوله: {فيما} يراد بها إما الأسرى وإما الفداء، وهي موصولة، وفي {أخذتم} ضمير عائد عليها، ويحتمل أن تكون مصدرية فلا تحتاج إلى العائد، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لو نزل في هذا الأمر عذاب لنجا منه عمر بن الخطاب، وفي حديث آخر وسعد بن معاذ، وذلك أن رأيهما كان أن يقتل الأسرى. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {لولا كتاب من الله سبق}
في معناه خمسة أقوال:
أحدها: لولا أن الله كتب في أُم الكتاب أنه سيُحِلُّ لكم الغنائم لمسَّكم فيما تعجَّلتم من المغانم والفداء يوم بدر قبل أن تؤمروا بذلك عذابٌ عظيم، روى هذا المعنى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس، وبه قال مقاتل.
وقال أبو هريرة: تعجَّل ناس من المسلمين فأصابوا الغنائم، فنزلت الآية.
والثاني: {لولا كتاب من الله سبق} أنَّه لا يعذِّب من أتى ذنبًا على جهالةٍ لعوقبتم، روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس، وابن جريج عن مجاهد.
وقال ابن اسحاق: سبق أن لا أعذِّب إلا بعدَ النهي، ولم يكن نهاهم.
والثالث: لولا ما سبق لأهل بدر أن الله لا يعذِّبهم، لعُذِّبتم، قاله الحسن، وابن جبير، وابن أبي نجيح عن مجاهد.
والرابع: {لولا كتاب من الله سبق} من أنه يغفر لمن عمل الخطايا ثم علم ما عليه فتاب، ذكره الزجاج.
والخامس: لولا القرآن الذي اقتضى غفران الصغائر لعُذِّبتم، ذكره الماوردي.
فيخرج في الكتاب قولان:
أحدهما: أنه كتاب مكتوب حقيقة.
ثم فيه قولان:
أحدهما: أنه ما كتبه الله في اللوح والمحفوظ.
والثاني: أنه القرآن.
والثاني: أنه بمعنى القضاء. اهـ.

.قال القرطبي:

{لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (68)} فيه مسألتان:
الأولى قوله تعالى: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} في أنه لا يعذّب قومًا حتى يبيّن لهم ما يتقون.
واختلف الناس في كتاب الله السابق على أقوال؛ أصحها ما سبق من إحلال الغنائم، فإنها كانت محرّمة على مَن قبلنا.
فلما كان يوم بدر، أسرع الناس إلى الغنائم فأنزل الله عزّ وجل: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} أي بتحليل الغنائم.
وروى أبو داود الطّيالِسِيّ في مسنده: حدّثنا سلام عن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: لما كان يوم بدر تعجّل الناس إلى الغنائم فأصابوها؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الغنيمة لا تَحِلّ لأحد سود الرءوس غيركم» فكان النبيّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه إذا غنِموا الغنيمة جمعوها ونزلت نار من السماء فأكلتها؛ فأنزل الله تعالى: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ} إلى آخر الآيتين.
وأخرجه التّرمذِيّ وقال: حديث حسن صحيح، وقاله مجاهد والحسن.
وعنهما أيضًا وسعيد بن جبير: الكتاب السابق هو مغفرة الله لأهل بدر، ما تقدّم أو تأخر من ذنوبهم.
وقالت فرقة: الكتاب السابق هو عفو الله عنهم في هذا الذنب، معيَّنًا.
والعموم أصح؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لعمر في أهل بدر: «وما يُدْريك لعلّ الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم». خرّجه مسلم.
وقيل: الكتاب السابق هو ألاّ يعذبهم ومحمد عليه السَّلام فيهم.
وقيل: الكتاب السابق هو ألاّ يعذب أحدًا بذنب أتاه جاهلًا حتى يتقدّم إليه.
وقالت فرقة: الكتاب السابق هو مما قضى الله من مَحْوِ الصغائر باجتناب الكبائر.
وذهب الطبريّ إلى أن هذه المعاني كلّها داخلة تحت اللفظ وأنه يعمّها، ونَكَب عن تخصيص معنًى دون معنًى.
الثانية ابن العربيّ: وفي الآية دليل على أن العبد إذا اقتحم ما يعتقده حرامًا مما هو في علم الله حلال له لا عقوبة عليه؛ كالصائم إذا قال: هذا يوم نَوْبِي فأفطر الآن.
أو تقول المرأة: هذا يوم حيضتي فأُفطر، ففعلا ذلك، وكان النوب والحيض الموجبان للفطر، ففي المشهور من المذهب فيه الكفارة، وبه قال الشافعيّ.
وقال أبو حنيفة: لا كفارة عليه، وهي الرواية الأخرى.
وجه الرواية الأولى أن طروّ الإباحة لا يثبت عذرًا في عقوبة التحريم عند الهتك؛ كما لو وطِئ امرأة ثم نكحها.
وجه الرواية الثانية أن حرمة اليوم ساقطةٌ عند الله عز وجل فصادف الهتك محلا لا حرمة له في علم الله، فكان بمنزلة ما لو قصد وطء امرأة قد زُفتّ إليه وهو يعتقدها أنها ليست بزوجته فإذا هي زوجته.
وهذا أصح.
والتعليل الأول لا يلزم؛ لأن علم الله سبحانه وتعالى مع علمنا قد استوى في مسألة التحريم، وفي مسألتنا اختلف فيها علمنا وعلم الله فكان المعوّل على علم الله.
كما قال: {لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ الله سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}. اهـ.